الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح} وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس. {نشَرًا} ناشرات للحساب جمع نشور، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم {بُشْرًا} تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدام المطر. {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً طَهُورًا} مطهرًا لقوله: {لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ}. وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به. قال عليه الصلاة والسلام «التراب طهور المؤمن» «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعًا إحداهن بالتراب» وقيل بليغًا في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب، وتوصيف الماء به إشعارًا بالنعمة فيه وتتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى.{لّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} بالنبات وتذكير {مَيْتًا} لأن البلدة في معنى البلد، ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد. {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أنعاما وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسي، وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار، والمنافع فيهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبًا مع أن مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة، فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام قنية الإِنسان وعامة منافعهم وعلية معايشهم منوطة بها، ولذلك قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها، وقرئ {نسقيه} بالفتح وسقى وأسقى لغتان، وقيل أسقاه جعل له سقيًا {وَأَنَاسِيَّ} بحذف ياء وهو جمع إنسي أو إنسان كظرابي في ظربان على أن أصله أناسين فقلبت النون ياء.{وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ} صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وسائر الكتب، أو المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما، وعن ابن عباس رضي الله عنه: «ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء» وتلا هذه الآية أو في الأنهار والمنافع.{لّيَذَّكَّرُواْ} ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك ويقوموا بشكره، أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم. {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها، أو جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا، ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافرًا بخلاف من يرى أنها من خلق الله، والأنواء وسائط وأمارات بجعله تعالى.{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} نبيًا ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوة لكن قَصَرْنَا الأمر عليك إجلالًا لك وتعظيمًا لشأنك وتفضيلًا لك على سائر الرسل، فَقَابِل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق.{فَلاَ تُطِعِ الكافرين} فيما يريدونك عليه، وهو تهييج له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين. {وجاهدهم بِهِ} بالقرآن أو بترك طاعتهم الذي يدل عليه فلا تطع، والمعنى أنهم يجتهدون في إبطال حقك فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم. {جِهَادًا كَبيرًا} لأن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف، أو لأن مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوهم وظهورهم، أو لأنه جهاد مع كل الكفرة لأنه مبعوث إلى كافة القرى. اهـ.
|